أخبار وطنية الذكرى الـ47 للخميس الأسود... يوم فارق في تاريخ تونس، رُسّخ في ذاكرة كل التونسيين الوطنيين
تمرّ اليوم الأحد، 47 سنة على أحداث 26 جانفي 1978 التي تشكل مرحلة فارقة من تاريخ تونس ومن تاريخ الاتحاد العام التّونسي للشغل.
وتُعرف هذه الأحداث بـ "الخميس الأسود" الذي شهد مواجهة دامية بين المحتجين من النقابيين أساسا والسلطات الأمنية والعسكرية أسفرت عن سقوط ضحايا بلغ عددهم 52 قتيلا بالاضافة إلى 365 جريحا بحسب الرواية الرّسميّة الصادرة عن الحكومة التي كانت وقتها حكومة الهادي نويرة.

وقد تَحوّل إضراب عام أعلنته قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل إلى حراك شعبي نقابي يرفض سياسات الحكم وخياراته بعد تدهور الأوضاع الاجتماعية والسياسية أواخر السبعينات بالتدهور الذي أدى إلى اندلاع الأزمة بين الاتحاد العام التونسي للشغل وحكومة الهادي نويرة التي كانت أسّست لانخراط تونس في منظومة الاقتصاد الرأسمالي.
ووفق القيادي بحزب العمال الجيلاني الهمامي في مقال نشره بصوت الشّعب فإن الزيارة التي كان أداها الوفد النقابي بقيادة الحبيب عاشور إلى ليبيا، ما بين 14 و17 ماي 1977، شكّلت نقطة انطلاق الازمة. وأثارت هذه الزيارة كثيرا من القلق لدى الوزير الأول الهادي نويرة وبدأ الخطاب النقابي يأخذ منحى متجذرا حيال الصعوبات الاجتماعية ومظاهر سوء التصرف وخاصة الزيادات الكبيرة التي شهدتها الأسعار في ربيع وصائفة 1977.
كما تفاقمت الازمة بفعل الأحكام الصادرة في حق بعض النقابيين والمشاركين في مظاهرة كانت جدّت بصفاقس يوم 9 سبتمبر 1977 وخاصة على إثر أحداث قصر هلال ومنزل بورقيبة موفى شهر أكتوبر التي جرت خلالها مواجهات عنيفة بين أعوان البوليس والجيش من جهة والعمال وأهالي هاتين المدينتين من جهة ثانية، بحسب ذات المصدر.
فك الارتباط
كما أشارت تقارير متخصّصة، إلى أن هذه الأزمة بدأت تطفو على السطح اثر فك الارتباط بين منظمة الشغالين والحزب الاشتراكي الدستوري الحاكم بالتزامن مع تصاعد وتيرة الإضرابات العمالية سنة 1977 من بينها المسيرة التي نظمها الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس يوم 9 سبتمبر وإضراب عمال شركة "سوجيتاكس" بقصر هلال يوم 10 أكتوبر وإضراب عمال وموظفي وزارة الفلاحة في 6 جانفي 1977.

وانتهى فك الارتباط باستقالة الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل الحبيب عاشور من اللجنة المركزية والديوان السياسي للحزب الاشتراكي الدستوري.
وقد تصاعدت وتيرة الأزمة بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة عند انعقاد الهيئة الإدارية للاتحاد بتاريخ 22 جانفي 1978، التي أعلنت أن الخميس 26 جانفي 1978 سيكون تاريخ الإضراب العام ليشهد هذا التّاريخ دخول الجيش الوطني لأول مرة في تاريخ تونس الحديث، على ركح الأحداث السياسية وكطرف لفض النزاع المدني بين الحكومة والمنظمة النقابية أسفر عن "الخميس الأسود".
من جانبه نشر النقابي عبد المجيد الصحراوي مقالا على أعمدة أخبار الجمهورية تحدّث فيه عن تفاصيل تتعلّق بأحداث 26 جانفي 1978 وجاء فيه ما يلي:
"...مثلت تلك الاحداث منعرجا تاريخيا حاسما في مسيرة الاتحاد وفتحت أمامها آفاقا أرحب لمواصلة نضالها من اجل ترسيخ حريتها وفرض كيانها المستقل وتعزيز مكانتها ودورها في النضال الاجتماعي والديمقراطي ببلادنا.
انطلقت تلك الأحداث المؤسفة التي جدّت بمدينة قصر هلال والتي انطلقت من مؤسسة SOGITEX للنسيج حيث توقف العمال للاحتجاج على سوء التصرف الحاصل بالمؤسسة الذي اكتسى بعد ذلك طابع الإضراب الشامل وردا على هذه الحركة النضالية التي كان بالإمكان معالجتها بطريقة أخرى هوجم العمال من طرف قوات النظام العام ووقعت اصطدامات عنيفة عمّت كافة المدينة ونتيجة لذلك نشأت الحركة التضامنية في عديد المؤسسات المجاورة في صيادة وبحجر والمكنين وغيرها مما أدى إلى تدخّل الجيش واعتقال العديد من النقابيين والعمال وحصل ذلك في أوائل شهر أكتوبر 1977.
وفي نوفمبر 1977 اجتمعت الهيئة الإدارية الموسعة للاتحاد الجهوي للشغل بسوسة وقررت الإضراب العام كامل يوم 9 نوفمبر 1977 احتجاجا على التهديدات بالقتل الموجهة ضد الأخ الحبيب عاشور وضد عدد من النقابيين في الجهة وبالفعل شنّ العمال بهذه الجهة إضرابهم العام يوم 9 نوفمبر 1977 احتجاجا على التهديد باغتيال الزعيم الحبيب عاشور...
وقد شمل إضراب 9 نوفمبر كل القطاعات وخرجت الجماهير العمالية في مسيرة كبيرة تجوب شوارع مدينة سوسة رافعين الصورة الكبرى للزعيم فرحات حشاد منددين بالإرهاب ومشددين على استقلالية الاتحاد وكرامة العمال.
وقد انطلقت الواقعة بالمقهى العتيق بنزل القصر بسوسة مما خلّف ردود فعل كبيرة بإعلان عدد الإضرابات الاحتجاجية المماثلة في عديد القطاعات والجهات وقد سارعت السلط إلى تطويق الحادثة بالقبض على مطلق التهديد وإحالته على المحكمة حيث نال عبد اللّه المبروك الورداني المتهم بالتهديد بالاغتيال 4 أشهرا سجنا.

من جهة أخرى تمت العديد من الإيقافات في صفوف العمال بتهمة إحداث أضرار بالممتلكات أثناء المظاهرة التي انتهت بمحاكمة العديد منهم في 21 جوان 1978. وفي منتصف نوفمبر 1977 انعقدت الهيئة الإدارية الوطنية وأصدرت نداء إلى السلط العليا بالبلاد وخاصة إلى رئيس الدولة آنذاك من أجل تدارك الوضع قبل فوات الأوان وقد قررت الهيئة الإدارية دعوة المجلس الوطني للانعقاد وإلى اتخاذ قرارات مصيرية إن لم تقع الاستجابة إلى نداء الاتحاد المتعلق بإخراج البلاد من الأزمة بصورة سلمية.
لكن للأسف ما من أحد استمع إلى نداء الهيئة الإدارية، بل كان أهل السلطة منشغلين بقضية أخرى يتنازعون عليها فيما بينهم وهي قضية الخلافة وتسبب الموقف من الأزمة في شرخ بين السلطة الحاكمة فانقسمت إلى نصفين وظهر ذلك للعيان يوم 23 ديسمبر 1977 حيث اعفي الطاهر بلخوجة من مهامه كوزير للداخلية وتنصيب عبد الله فرحات كبديل له...

واستقال ستة وزراء دفعة واحدة من حكومة الهادي نويرة مما زاد في تأزيم الوضع داخل الفريق الحكومي وسيطرة الجناح المتصلب على كل الدواليب، وإعلانه صراحة نهج العنف في التعامل مع النقابيين...
وأكبر دليل على ذلك أنه في بيان خلال تقديم ميزانية الدولة لسنة 1978 كشفت الحكومة عن انتهاجها خيار التصلب والقوة أسلوبا لمعالجة الأوضاع ولا سيما الوضع الاجتماعي ثم توالت الأحداث متسارعة والأجواء متوترة وتولى محمد الصياح مدير الحزب توسيع وتطوير دور الميليشيا لتصبح قوة موازية لقوات الأمن مما تسبب في ارتفاع وتيرة العنف والملاحقات والمضايقات على المواطنين وخاصة منهم النقابيين إلى أن كان يوم 20 جانفي 1978 ذكرى تأسيس الاتحاد.

وكما يعلم الجميع، فلقد جوبه الإضراب العام بالقمع والاعتقالات وسفك الدماء باستعمال كل الوسائل وتدخل الجيش وأعلنت حالة الطوارئ. وقد خلفت هذه الأحداث عشرات القتلى ومئات الجرحى وامتلأت السجون بآلاف من العمال والمناضلين النقابيين ومن الشباب العاطل عن العمل المنتمين إلى الأحياء الشعبية المهمشة هذا وقد لعبت عناصر الميليشيا التابعة للحزب الحاكم دورا أساسيا في التخريب والنهب بغية توريط الاتحاد وإطاراته النقابية وتحميلهم مسؤولية الخراب الحاصل.

لقد حوكم النقابيون سنة 1978 وكانت محاكمة علنية حضرها العشرات من المحامين المتطوعين. وكانت التّهمُ على درجة كبيرة من الخطورة أهمها : حمل المواطنين على مهاجمة بعضهم البعض بالسلاح وإثارة القتل والنهب والحرق بالتراب التونسي وتكوين عصابة مفسدين وغيرها وتقعُ تحت طائلة الفصل 72 الذي تبلغ العقوبة فيه إلى حد الحكم بالإعدام والأشغال الشاقة مدى الحياة باعتبارها من الجـنايات الخطيرة".